ياسمين المشعان ، كريميتشاو، ألمانيا

ياسمين ناشطة سورية من دير الزور شمال شرق سوريا وعضوة مؤسسة في رابطة عائلات قيصر. هي واحدة من العديد من السوريين/ات الذين/اللواتي علموا بوفاة أحبائهم/ن في معتقلات نظام الأسد من خلال "صور قيصر" - صور مسربة لآلاف المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت.

أنا من عائلة ناشطة. اعتقل النظام السوري أبي وشقيقي وعمي وأطلق سراحهم قبل الثورة. عندما بدأت الثورة، انخرطت عائلتنا منذ البداية في تنظيم مظاهرات في مدينتنا دير الزور.

في عام 2012 كان إخوتي في مظاهرة عندما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين. وقتل أخي زهير برصاص قناص. جاء النظام إلينا وعرض علينا ورقة تفيد أن مجموعة مسلحة مجهولة قامت بقتله. لكننا نعلم أن هذه كانت كذبة لذا رفضنا التوقيع عليها. كنا نعلم أنهم هم الذين قتلوه. رتبنا له جنازة ضخمة. فعل شقيقي عقبة كل شيء حتى أنه صنع نعشاً لزهير بيديه.

بعد ذلك انتقل استهداف أهلي إلى مستوى أكثر خطورة. ازدادت التهديدات سوءاً وأصبحت المداهمات على منزلنا مستمرة. في 2012 اعتقلوا عقبة ثم اعتقلوا أبي وأفرجوا عنه بعد بضعة أشهر لكننا قررنا البقاء في دير الزور. كان علينا انتظار عقبة.

لاحقاً، كان أخي عبيدة يعمل كمسعف في دير الزور. كان يخرج بعد القصف لمحاولة إنقاذ الناس في الحي. وذات يوم قُتل برصاص قناص أثناء قيامه بعمله. هذا ما يفعله النظام. ينتظرون خروج الناس بعد القصف لمساعدة الجرحى ثم يطلقون النار عليهم.

بعد عشرة أيام قُتل شقيقي تشرين، وهو أب لثمانية أطفال، بقنابل سقطت على منزله. بعد أن بدأت في استيعاب الصدمة من كل ما كان حدث لنا، قررت أن أبدأ بالبحث بجدية أكبر عن عقبة. قمت بتوكيل محامٍ وسألت الكثير من الناس لكنني لم أحصل على أي معلومات موثوقة. التقيت بأشخاص كانوا محتجزين معه وقالوا إنه نُقل إلى دمشق، ولكن بعد ذلك لم يكن هناك أي أثر له. كنت أشاهد ابنتيه تكبران دون معرفة والدهما، دون معرفة ما إذا كان سيعود أم لا.

في أيار 2014، تطوع أخي الأصغر بشار، الذي كان عريساً جديداً يبلغ من العمر 19 عاماً، كمسعف. وذات يوم خرج للإنقاذ ولم نره بعد ذلك. وصلتنا أنباء عن اختطافه من قبل داعش التي كانت تسيطر على مناطق واسعة من دير الزور في ذلك الوقت. سمعنا أنه قُتل على الفور، لكن لم نتمكن من العثور على جثته. يعتقد الناس أنه تم إلقاءه في نهر الفرات لذلك لم يكن هناك أي أثر. لكننا لم نتأكد أبداً.

وهكذا قتل ثلاثة من إخوتي واختفى اثنان. لا أستطيع وصف الألم الذي مررنا به جميعاً وخاصة أمي. إنه لألم شديد ألا تعرف مصير أحبائك. عندما بدأت داعش بملاحقتي أنا أيضاً، صرت أعيش في خوف وقلق مستمرين. خاصة على أولادي. كان كل شيء مروعاً في ذلك الوقت. كانت هناك عمليات إعدام في الشوارع كل يوم. لذلك قررنا في فبراير 2015 أنه علينا مغادرة سوريا. كانت رحلة صعبة للغاية لأننا كنا مطلوبين ومراقبين من قبل داعش والنظام. كنا بحاجة معجزة للخروج من سوريا.

بما أني عملت صيدلانية في السابق، بدأت في توثيق بعض خسائر آثار الحرب، حتى الآثار غير المباشرة مثل حالات الإجهاض من التلوث. كما عملت كصحفية. كنت أخبر الناس بما يجري وبالطبع تم استهدافي. علاوة على ذلك، عارضت داعش في العلن وكنت صريحة جداً في معارضتي لهم. قلت للجميع أنهم لا يمثلون الإسلام. كنت أخاف كل يوم على نفسي وعلى أولادي. كان التنظيم يقوم في ذلك الوقت باختطاف الأطفال ونقلهم إلى مدارسهم الخاصة. لذلك توقفت عن السماح لأطفالي بالذهاب إلى المدرسة خوفاً من اختطافهم هم أيضًا.

كان قرار مغادرة سوريا هو الأصعب. أردنا أن نبقى وننتظر عقبة ولكن في النهاية فكرنا أنه إذا تم الإفراج عنه فسيتمكن من إيجادنا. لكن عندما وصلنا إلى مخيم اللاجئين في تركيا في مارس / آذار 2015 جاء إليّ صديق معه إحدى الصور من صور قيصر. تعرفت فيها على عقبة على الفور.

غالبًا ما أفكر لو كنا قد علمنا بقتله فوراً فربما لم كنا لنبقى في سوريا بانتظاره ولم كنت لأفقد ثلاثة أشقاء آخرين.

على الرغم من أنني أعرف الآن ما حدث له، ما زلت أنتظر. أنتظر اللحظة التي أسمع فيها إعلان إطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات. عندما صنع عقبة نعش أخينا زهير، رتب له جنازة ضخمة. ومن مسؤوليتي أن أفعل الشيء نفسه من أجل عقبة وأتأكد من أن يدفن باحترام كبطل وابن لسوريا.

الانتظار هو شعور بالألم والعجز. كأن أحدهم قد ضغط على زر الإيقاف المؤقت وأصبحت حياتك معلقة. من الصعب جداً وصف هذا الشعور. كما لو أنك واقفة ولكن كل شيء آخر من حولك يتحرك. كل شيء يتقدم في السن والفصول تتعاقب لكنك عالقة في نفس المكان وفي نفس الزمان.

هذا تكتيك إرهابي للنظام. إنهم يفعلون ذلك عمداً لإسكات الناس عن السؤال عن أحبائهم. يريدون منا أن نخاف من أنه عندما يتم احتجازك فهذا يعني أنك اختفيت إلى الأبد. لا أريد لأحد أن يعاني من التجربة التي عشناها.

تمكنت لاحقاً من الوصول إلى ألمانيا من خلال برنامج لم شمل الأسرة. كان زوجي هناك وكان قادراً على جلبنا أنا والأولاد. عندها بدأت العمل لتأسيس رابطة عائلات قيصر، وهي منظمة أصبحت الآن جزءاً مني. كنا مجموعة من العائلات التي تعرفت جميعها على أحبائها في صور قيصر وقررنا أن نفعل شيئًا بهذا الخصوص. لقد وضعنا قائمة مطالب: الإفراج الفوري عن جميع السجناء السياسيين، محاسبة كل من هو مسؤول، تحقيق العدالة للضحايا، استعادة رفات الأحباب، تكريم الضحايا من قبل أي حكومة مستقبلية. هؤلاء الناس ليسوا أرقاماً. كلنا نريد نفس الشيء: الحقيقة والعدالة.