























النضال من أجل الحقيقة والعدالة للمعتقلين-ات والمختفين-ات قسرًا في سوريا لم ينتهِ بعد
عندما انهار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، فُتحت شبكة واسعة من مراكز الاحتجاز وفروع الأمن التي استخدمت لعقود لبث الرعب وقمع وإسكات الأصوات المعارضة.
ولكن ومن المؤلم للغاية أن العديد من العائلات لم ترَ أحبابها يخرجون إلى الحرية. في الواقع لا يزال مصير ما لا يقل عن 112 ألف ممن اعتقلوا وأُخفوا قسراً منذ عام 2011 مجهولًا، بينما وثّقت السجلات وفاة ما لا يقل عن 15,393 شخصًا تحت التعذيب.
تكاد لا توجد عائلة واحدة في سوريا لم تعاني من الاعتقال والاختفاء القسري. ولقد زادت الإخفاقات الجسيمة للمجتمع الدولي والسلطات المؤقتة في الوقوف مع ضحايا الاعتقال التعسفي وعائلاتهم-ن في المعاناة والشعور بالخذلان. أدلة هامة كان يمكن أن تساهم في محاسبة الجناة تم إهمالها أو تدميرها بسبب التقاعس وغياب الإرادة السياسية.
شارك الناجون والناجيات من زنازين الأسد وعائلات المعتقلين-ات والمختفين-ات قسراً قصصهم الشجاعة مع العالم، وناضلوا لسنوات طويلة بلا كلل من أجل الحقيقة والعدالة. لكنهم تُركوا وحدهم-ن مرة أخرى للبحث عن إجابات حول أحبّائهم-ن.
الوقت ينفد. هناك حاجة ملحّة لخطوات جادة تكشف الحقيقة لعائلات سوريا، وتحاسب المجرمين-ات أمام المحاكم الوطنية والدولية.
داخل مراكز احتجاز النظام، تعرض المعتقلين والمعتقلات لتعذيب ممنهج وعنف جنسي وتجويع متعمّد تحت ظروف لا إنسانية أدت في كثير من الحالات إلى الموت. كشفت صور قيصر المسربة عام 2015 عن آلاف الجرائم، وأظهرت أجسادًا هزيلة تحمل آثار التعذيب الوحشي. الناجون والناجيات لا يزالون يحملون ندوبهم-ن الجسدية والنفسية، فيما تعيش العائلات على أمل معرفة مصير أحبّائها.
هذه ليست مجرد مأساة إنسانية لآلاف المعتقلين-ات الذين أُطلق سراحهم في أوضاع صحية مروّعة، بل جريمة كبرى أثّرت على ملايين السوريين-ات. استجابة المجتمع الدولي والسلطات المؤقتة لهذه القضية اليوم أساسية في تحقيق العدالة والسلم الأهلي وإعادة بناء سوريا المستقبل.
وقعوا على العريضة للمطالبة بالحقيقة والعدالة وضمان عدم تكرار فظائع الاختفاء القسري في سوريا.
مطالبنا من أجل الحقيقة والعدالة والمحاسبة
حماية السجون ومراكز الاحتجاز
يجب التعامل مع السجون ومراكز الاحتجاز والمواقع الأخرى التي شهدت انتهاكات ممنهجة كمسارح للجرائم، واتخاذ تدابير فورية لمنع أي وصول غير مصرح به أو العبث بالأدلة أو تدميرها.
حماية المقابر الجماعية
يجب فرض قيود صارمة تمنع أي نبش غير قانوني أو تلاعب أو تصوير للمقابر الجماعية. كما ينبغي وضع خطة منسقة بمشاركة فرق مختصة في الطب الشرعي لضمان التعامل مع هذه المواقع وفقًا للمعايير التي تحافظ على الكرامة والحقيقة.
حفظ وأرشفة السجلات
يجب تأمين وأرشفة جميع السجلات المتعلقة بالمعتقلين-ات والمختفين-ات قسرًا في المكاتب القضائية والسجون والفروع الأمنية، وضمان رقمنتها من قبل جهات مختصة. كما ينبغي تمكين الناجين-ات وعائلات المختفين-ات قسرا من الوصول المباشر إلى المعلومات الخاصة بأحبائهم، بالتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان السورية.
اعتماد نهج يركز على الضحايا في تحقيق الحقيقة والعدالة والمحاسبة
يجب أن تكون الجهود الرامية إلى كشف مصير المختفين-ات وتحقيق العدالة والمحاسبة مبنية على نهج يُعطي الأولوية للضحايا. ويتطلب ذلك احترام كرامة الناجين-ات وعائلاتهم وإبقائهم-ن على اطلاع دائم وإشراكهم-ن في جميع المراحل.
التعاون من أجل الحقيقة والعدالة والمحاسبة
إن التعاون بين منظمات المجتمع المدني السوري وعائلات الضحايا والناجين والناجيات وأي سلطات قائمة في سوريا والمؤسسات الدولية، أمر حتمي لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين-ات عن هذه الجرائم. ويجب أن تلتزم هذه الجهود بالمعايير القانونية الوطنية والدولية، مع التركيز على حقوق الضحايا واحتياجاتهم-ن.
دعم العائلات والناجين-ات
يجب توفير الدعم اللازم للناجين والناجيات من الاعتقال والتعذيب، بما في ذلك الرعاية الطبية والنفسية وبرامج التمكين، لمساعدتهم-ن على إعادة بناء حياتهم-ن، خاصة النساء اللواتي يواجهن تهميشًا مضاعفًا في مجتمعاتهن. كما تحتاج العائلات التي فقدت معيلها بسبب الاختفاء القسري إلى الدعم لمواصلة البحث عن أحبائها.
العمل على إيجاد أطفال المعتقلين-ات
يجب الالتزام بالبحث عن أطفال المعتقلين-ات الذي اعتقلوا من قبل النظام مع أو بدون أهاليهم وإيجادهم-ن والعمل على إعادتهم-ن إلى أقربائهم وتقديم الدعم لهم-ن. لقد كشفت تقارير صادمة بعد سقوط النظام عن ضلوع دور أيتام في إخفاء أطفال المعتقلين-ات وتغيير أسماءهم-ن ونسبهم-ن، ما يتطلب التحقيق مع العاملين-ات في هذه المؤسسات لكشف مصير الأطفال ومحاسبة كل من ساهم في هذه الجرائم البشعة.
وقف الانتهاكات الحالية وعدم تكرار هذه الفظائع أبدًا
بعد سقوط نظام الأسد تم توثيق انتهاكات على يد العناصر الأمنية التابعة للسلطات الحالية من اعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب أدى إلى الموت. يجب وقف هذه الجرائم ضد الإنسانية فوراً ومحاسبة من ارتكبها وضمان عدم تكرار هذه الفظائع بحق الشعب السوري في سوريا الجديدة. كما ينبغي أن يتضمن الدستور السوري المستقبلي ضمانات واضحة لحماية جميع الأفراد من هذه الجرائم ومعالجة إرث الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الاختفاء القسري والتعذيب.
مع انتهاء حكم الطاغية لا يمكن السماح لأي سلطة جديدة أن تمارس نفس أشكال القمع والإسكات التي مارسها الأسد وأطراف الصراع الأخرى بحق السوريين والسوريات.
لا يمكن تحقيق سوريا حرة وعادلة دون كشف مصير عشرات الآلاف من المعتقلين-ات و المختفين-ات قسرًا، وتحقيق العدالة لعائلاتهم-ن. إن دور المجتمع المدني السوري أساسي في الوصول إلى رؤية مشتركة للحقيقة والعدالة والمحاسبة.
معلومات أساسية حول الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا
لطالما كان نظام الاعتقال في سوريا أداة قمع مركزية استخدمها نظام الأسد والسلطات الفعلية الأخرى لأكثر من خمسين عامًا. فقد حافظت هذه الأنظمة على قبضتها على السلطة من خلال الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري والاستخدام الممنهج للتعذيب. منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أصبح الاعتقال التعسفي أحد الأدوات الرئيسية التي استخدمها النظام لقمع السوريين و السوريات. وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، لا يزال مصير أكثر من 112 ألف شخص مختفي-ة قسريًا مجهولًا منذ سقوط نظام الأسد، والغالبية العظمى منهم-ن اعتقلوا على يد قوات النظام السوري. وقد وثقت منظمات عدة هذه الانتهاكات بشكل منهجي، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والأمم المتحدة، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، ورابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا (ADMSP).
ظروف المعتقلين داخل مراكز الاحتجاز
تعرض معظم المعتقلين-ات للاحتجاز دون توجيه تهم أو محاكمات، وخضعوا-ن لأبشع أشكال التعذيب والعنف. لا تزال مئات الآلاف من العائلات السورية تعيش في عتمة عدم معرفة مصير أحبائها. استمرت هذه الانتهاكات على مدى السنوات الماضية، حيث تم توثيق أكثر من 2600 حالة اعتقال في عام 2024 وحده. وفقًا للآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، واجه المعتقلون-ات معاملة لا إنسانية في أكثر من مئة منشأة خاضعة لسيطرة النظام، شملت التعذيب الجسدي، والعنف الجنسي، والإهمال المروع الذي أدى في كثير من الأحيان إلى الموت. وقد كشفت صور قيصر، التي سُربت من سوريا عام 2015 عن مقتل أكثر من ستة آلاف معتقل-ة تحت التعذيب، مما أكد أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفقًا للهيئات والمحاكم الدولية.
الاستجابة الدولية والمساءلة
ردًا على أزمة المختفين قسرًا في سوريا، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤسسة المستقلة للمفقودين والمفقودات في سوريا (IIMP) عام 2023 بعد جهود مضنية قادتها عائلات الضحايا ومجموعات الناجين والناجيات. وتتمثل مهمتها في كشف مصير جميع المفقودين-ات في سوريا، وتقديم الدعم اللازم للضحايا وعائلاتهم. كما تكلَّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) بمعالجة الأزمة الإنسانية في مراكز الاحتجاز، حيث وثّقت 35,000 حالة اختفاء في سوريا على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية. ورغم دورها في زيارة السجون على مستوى العالم والسعي لضمان معاملة إنسانية للمعتقلين، أكدت اللجنة أنها مُنعت من الوصول إلى مراكز الاحتجاز بينما كان نظام الأسد يرتكب جرائمه. إلى جانب ذلك، تعمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) على التحقيق في الجرائم الجسيمة المرتكبة في سوريا، بما في ذلك الاختفاء القسري، وتحقيق العدالة للضحايا.
ورغم كل هذه الجهود، لا تزال الاستجابة الدولية بعد سقوط نظام الأسد بطيئة وغير كافية. لكن إصرار عائلات الضحايا ومبادرات الناجين والناجيات ما زال يقود المطالبات العالمية بالحقيقة والعدالة. يمكنك دعم هذه القضية عبر الانضمام إلى هذه الحملة.
التطورات الأخيرة
أبلغت رابطات عائلات الضحايا، ومتطوعو الخوذ البيضاء، ومنظمات حقوق الإنسان عن العثور على مقابر جماعية وكم هائل من الوثائق التي توثق الجرائم المرتكبة داخل سجون الأسد. تشكّل هذه الأدلة عنصرًا أساسيًا في جهود المساءلة المستقبلية، ولكن في فشل كارثي، يجري بالفعل نهبها أو تدميرها. يجب حماية هذه الأدلة وتوثيقها بشكل عاجل. ورغم الفرح الثمين الذي صاحب الإفراج عن بعض المعتقلين-ات، لا يزال كشف مصير عشرات الآلاف من المختفين-ات قسرا، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم ضد الإنسانية، يمثل تحديًا كبيرًا لسوريا الجديدة.
دور العائلات والناجين والناجيات في تحقيق العدالة والمساءلة
لعبت عائلات الضحايا والناجون والناجيات من الصراع في سوريا دورًا محوريًا في المطالبة بالحقيقة والعدالة، مما أدى إلى تطورات مهمة على المستويين الوطني والدولي:
المطالبة بإنشاء الهيئة المستقلة للمفقودين والمفقودات في سوريا (IIMP)
كان إصرار عائلات الضحايا والناجين-ات عاملًا حاسمًا في تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء الهيئة المستقلة للمفقودين والمفقودات في سوريا (IIMP) في يونيو 2021. تتمثل مهمتها في تحديد مصير جميع المفقودين-ات في سوريا، وتقديم الدعم للضحايا، بمن فيهم الناجون-ات وعائلات المختفين-ات.
الدعاوى القضائية بموجب الولاية القضائية العالمية
دعمت عائلات الضحايا والناجون-يات إجراءات قانونية غير مسبوقة في دول أوروبية تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية. وقد أدت هذه الدعاوى إلى إدانات لمسؤولين سابقين في النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري. أبرزها كانت محاكمة كوبلنز في ألمانيا، التي مثلت أول إدانة لمسؤول سوري بتهمة التعذيب الممنهج برعاية الدولة، مما شكّل سابقة قانونية هامة للمساءلة المستقبلية.
القضايا أمام محكمة العدل الدولية (ICJ)
لعبت عائلات الضحايا دورًا رئيسيًا في تحريك دعاوى قضائية ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية (ICJ). ففي عام 2023، قدّمت كل من هولندا وكندا دعوى ضد سوريا، متهمةً النظام بانتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب. يشكل هذا التحرك خطوة تاريخية نحو مساءلة النظام السوري على مستوى الدولة، فيما يخص التعذيب والاختفاء القسري.
تشكيل ميثاق الحقيقة والعدالة
في عام 2021، اجتمعت منظمات الناجين وعائلات الضحايا لإنشاء ميثاق الحقيقة والعدالة، وهو تحالف يسعى إلى تحقيق العدالة والمساءلة والاستجابة الشاملة لأزمة الاختفاء القسري والاعتقال. عزّز هذا الميثاق الجهود الجماعية، ورفع أصوات المتضررين-ات بشكل مباشر، وأكّد أن تجاربهم-ن ومطالبهم-ن تبقى في صلب المناصرة الدولية.