مريم الحلاق، برلين، ألمانيا
مريم الحلاق ناشطة ومعلمة سابقة وإحدى مؤسسات رابطة عائلات قيصر. هي واحدة من العديد من السوريين/ات الذين/اللواتي علموا/ن بوفاة أحبائهم/ن في معتقلات نظام الأسد من خلال "صور قيصر" - صور مسربة لآلاف المعتقلين/ات الذين تعرضوا/ن للتعذيب حتى الموت.
كان أيهم الأصغر بين أبنائي الثلاثة. كان يدرس طب الأسنان عندما بدأت الثورة، وطبعاً شارك في الاحتجاجات السلمية في دمشق وكان فخوراً جداً بنداءات الحرية.
بدأ أيهم بحضور ورشات عمل في بيروت حول حرية التعبير. في الليلة التي سبقت عودته من إحدى الورشات، اتصل بي ليخبرني أنه قضى أجمل ليلة في حياته على الشاطئ في بيروت. قال: سأخبرك بكل شيء عندما أعود ماما. وما زلت أنتظر سماع أحداث تلك الليلة.
بمجرد عودته إلى دمشق اعتقلوه في الجامعة. اقتادوه إلى غرفة مليئة بأدوات التعذيب وطعنوه بالإبر وخلعوا أظافر قدميه. ضربوه ضرباً مبرحاً في جميع أنحاء جسمه. عندما ضربوه على رأسه فقد أيهم وعيه. ثم سكبوا عليه الماء الساخن لإيقاظه. رأى معتقل آخر، وهو طبيب، أن جسده بدأ يتحول إلى اللون الأزرق، فصرخ في الحراس قائلاً إنه يعاني من نزيف داخلي ويحتضر. نظر الحارس وقال: عندما يموت ناد لي مرة أخرى. توفي أيهم بعد أيام قليلة. وضعوا ورقة بيضاء على جبينه مع رقم جثته.
عرفت بالخبر بعد ثلاثة أشهر. أعلننا الحداد وبدأنا بتقبل التعازي. خلال العزاء أتى مسؤول حكومي وأخبرني أن أيهم ما زال حياً. أعطاني تفاصيل كافية لأصدقه. بحثت عنه لأكثر من عام في كل مكان، دققت أبوباً كثيرة وسألت عنه من كل من استطعت الوصول إليه. ذهبت إلى الشرطة مراراً مع أمهات أخريات وطلبنا منهم إخبارنا عن أبنائنا. في كل مرة نفوا وجود أي معلومات على الإطلاق إلى أن رأيت مسؤولاً في أحد الأيام وعندما سألته عن أيهم أومأ برأسه في إشارة أنه قد مات.
رفضوا إعطائي جثته وعندما سألت عن مكان دفنه صرخوا في وجهي وقالوا لي أن أغادر. قالوا إنني لو لم أكن امرأة كبيرة في السن لاعتقلوني أيضاً. بعد ستة أشهر تلقيت ورقة حكومية تؤكد وفاة أيهم وكان على الورقة رقم جثته وسبب الوفاة المزعوم: نوبة قلبية. لم أتلق أي دليل ملموس، ولا جثة.
عندما انتشرت صور قيصر لأول مرة حاولت البحث عن أيهم بين الصور لكنها كانت قاسية ومؤلمة لدرجة لم أستطع النظر إليها. تمكن صديق للعائلة من التعرف على صورته وأكد لي ذلك. الغريب هو أن إحساسي كان فيه نوع من الارتياح: استطعت أن أرى من الصور أنه لم يتعرض للتعذيب بشدة مثل بعض الآخرين في الصور التي رأيتها. منذ ذلك اليوم لم أوقف عن النضال وتحدثت عن هذه القضية في كل فرصة ورفعت دعوى قضائية في برلين ضد النظام السوري. أسست مع عدد من العائلات التي تعرفت على جثث أحبائها بين صور قيصر رابطة عائلات قيصر. نناضل لمعرفة مكان دفنهم.
هذا ما أنتظره. أريد أن أعرف مكانه حتى أتمكن من دفنه بشكل لائق والجلوس بجانب قبره. هذا ما أحاول أن أحققه كل يوم. فقدت ولدي، لكن قبراً أزوره قد يسمح لي بتخفيف ألمي وإخباره بما أريد أن أقوله.