إيمان عبيد، إدلب ، سوريا
إيمان أم لطالب هندسة معتقل منذ 2012. بعد اعتقاله تم فصل إيمان من وظيفتها في بلدية إدلب. لا تزال إيمان تعيش في إدلب بانتظار ابنها.
في بداية الثورة أخذوا زوجي لمدة 15 يومًا ثم أطلقوا سراحه دون أن يؤذوه، لكن بعد شهر اعتقلوا ابني الأكبر عند نقطة تفتيش واتهموه بالتسلح. كان ذلك سخيفًا فقد كانت الثورة لا تزال في بدايتها السلمية ولم يكن أحد قد تسلح في تلك المرحلة.
استهدف النظام عائلتنا لأننا كنا من أوائل المساهمين بتنظيم المظاهرات في إدلب. كان زوجي معروفاً بمعارضته للنظام وكان دائماً تحت المراقبة. كان يقول لأبنائي إننا نريد بعض الكرامة لا أكثر. لقد تم استهدافي أيضًا، جاؤوا إلى مكان عملي في البلدية للتحقيق معي.
بعد أن أطلقوا سراح زوجي كان تحت المراقبة والمضايقة المستمرة إلى درجة جعلت حياته مستحيلة. فهرب من المدينة وتوجه إلى الأرياف التي كانت خارجة عن سيطرة النظام. بقي هناك لمدة أربع سنوات. اضطررت خلالها للمرور عبر العديد من نقاط التفتيش. في كل مرة كانوا يسألونني ويستجوبوني. إلى أن عاد زوجي بعد تحرير مدينة إدلب من سيطرة النظام.
اعتقل ابني الأكبر في 6 سبتمبر/أيلول 2012 واقتيد إلى فرع الأمن في إدلب. في ديسمبر / كانون الثاني من العام نفسه ذهب ابني الأصغر البالغ من العمر 14 عاماً فقط لتجديد هويته واعتقلوه أيضاً. بقي مع شقيقه الأكبر في المعتقل لمدة 15 يوماً ثم نقلوهما من إدلب إلى فرع الأمن الرئيسي في دمشق. بعد ثلاثة أشهر أطلقوا سراح ابني الأصغر وتركوه في الشارع. كان مريضاً جداً يعاني من الجرب والعديد من الالتهابات. لا تزال آثار التعذيب ظاهرة على جسده حتى الآن، بعد مرور تسع سنوات. أخبرني أنه عند نقلهم من إدلب إلى دمشق، كان عليهم إبقاء رؤوسهم منخفضة والنظر إلى الأرض وإلا سيتعرضوا للضرب.
عندما أطلقوا سراحه وجدته امرأة في الشارع وشعرَت بالأسف الشديد تجاهه فأخذته إلى منزلها ووجدت طريقة لإرساله إلي في إدلب. لا أستطيع وصف مشاعري عندما فتحت الباب ورأيته. كان شعورًا غريبًا للغاية، بدا مختلفاً تماماً، كان نحيلاً جدًا وينزف ورائحته سيئة. لا أدري إن كنت أبكي من فرحتي بعودته أم من الحزن لرؤيته في تلك الحالة. خضع لعلاج طبي لمدة ستة أشهر قبل أن يبدأ في التعافي بشكل حقيقي، على الرغم من أنني متأكدة من أنه ما زال يعاني نفسياً. لقد شعر بالذنب الشديد لأنه هو من أطلق سراحه بينما لا يزال أخوه معتقلاً.
بعد ذلك حاولنا إصدار جواز سفر له حتى يتمكن من مغادرة البلاد. لكن عندما ذهب لاستلامه، احتجزوه لمدة ساعتين. لقد كان ذلك تحذيراً. كنت أعلم أنه إذا بقي فسيكون دائمًا معرّضاً للاعتقال مرة أخرى، لذا فإن الحلّ الأكثر أمانًا هو إرساله إلى مكان إقامة والده. كان مجرد طفل. ظل يبكي قائلاً "لا ماما لا أريد أن أغادر، أريد أن أبقى معكِ." ولكن من أجل سلامته كان يجب أن يغادر. لقد وجهوا 16 تهمة ضدهم كانت إحداها أنه يَملِكُ دبابة. ولكن حتى القاضي في دمشق قال إن هذه التهمة مبالغ فيها، فقد كان مجرد طفل.
لم نتلق أي معلومات حقيقية عن ابني الأكبر. سمعنا إشاعة بأنه مات تحت التعذيب ولكن لا يمكننا التأكد مما حدث بالفعل. لم يكن هناك دليل على أي شيء.
الأمل دائماً حيّ. لقد سمعنا عن معتقلين تم الإفراج عنهم. وقد أطلق سراح العديد منهم وهم يعانون من أمراض خطيرة وجروحات نفسية. تم إطلاق سراح أحد أقاربي وهو فاقد السمع والنطق لكنه يتعافى. الأمل دائماً حيّ. طالما أني لم أرى أي دليل على وفاة ابني، لدي أمل أنه سيعود. إنه ابني ولن أفقد الأمل في رؤيته مرة أخرى.
المعلومات الوحيدة التي يمكننا الوثوق بها هي من أشخاص كانوا معه في نفس مركز الاحتجاز ورأوه. أخبرني أحدهم ذات مرة أنه كان مريضاً جداً وأخذوه من ذلك المركز ولكن لا أحد متأكد من موته. مثل العديد من العائلات الأخرى، دفعنا المال لأشخاص لإخبارنا شيئاً عنه، ولكن لا يمكننا الوثوق بأي شيء يقولونه. آخر مرة سمعنا فيها شيئًا كان في أكتوبر 2013 عندما قالوا إنه مات تحت التعذيب. لكننا لم نصدق ذلك طالما لا يوجد دليل.
يريد النظام إسكات الجميع وجعل الناس يخافون من التحدث لكننا سنواصل رفع صوتنا. سوف نستمر في أن نكون صوت أولئك المعتقلين/ات لأنهم ليس لديهم صوت. هؤلاء أولادنا، نزلوا إلى الشوارع من أجلنا، من أجل مستقبلنا وحريتنا، من أجل بلدنا. لذا في المقابل، من واجبنا أن نكون صوتهم.
لا أستطيع أن أصف مشاعري حول أخذ ابني مني. عندما أنام وعندما أستيقظ وعندما آكل - في كل لحظة، كل ما أفعله هو التفكير في ابني. كيف أنسى قطعة من قلبي؟ أنا متأكدة من أن كل أمهات المعتقلين/ات يشعرن بنفس الشعور. التقينا بمندوبة للأمم المتحدة منذ فترة لنخبرها عن تجربتنا. نحاول إيصال رسالتنا إلى العالم كله. يجب على المجتمع الدولي تحميل الأسد المسؤولية عن جرائمه.
عندما أسمع أن بعض الدول ترجل اللاجئين/ات إلى سوريا لأن "السلام عاد"، أسأل، ما هو السلام الذي تراه هذه الدول؟ هناك طائرات فوق رؤوسنا في كل وقت. يمكن أن نتعرض للقصف في أي لحظة ونسمع القنابل تتساقط طوال الوقت. الوضع الاقتصادي كارثي ونحن محرومون من أبسط الخدمات. لا أحد يستطيع أن يمشي في الشارع ويشعر بالأمان هنا. بالأمس، في هذا الحي فقط، قتل شخص وأصيب ثلاثة. الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام هي التخلص من النظام.
هذه بلدنا ولن نغادر بلدنا أبدًا. جذورنا هنا. إنها ليست دولة الأسد. يريدنا أن نغادر لكننا لن نفعل ذلك. ولا يمكننا المغادرة لأننا بانتظار عودة ابني إلى المنزل. نحن باقون وسننتظره.