حسام كوسا، اسطنبول، تركيا
هاجر جد حسام من تركيا إلى سوريا منذ 40 عامًا وعاشت عائلته هناك دون مشاكل حتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
بعد اندلاع الثورة بدأ النظام باستهدافنا بسبب موقف الحكومة التركية ضده.
ذات يوم كان عمي ذاهباً إلى العمل كالمعتاد، أوقفوه عند نقطة تفتيش وطلبوا أوراقه. عندما رأوا أنه تركي احتجزوه. في اليوم التالي اتصلوا بأسرتنا ليطلبوا منا أن نستلم جثمانه. كانوا قد ارتكبوا الفظائع في جسده. قالوا لنا أن لا نسمح لأي شخص آخر برؤية جثته وأن ندفنه على الفور. جسده دليل على كل الجرائم الهمجية التي يرتكبونها بأجساد المعتقلين. بعد ذلك حذرونا من الذهاب إلى قبره، لكن والدي أصر. ذهب واصطحب معه صديقين سوريين. كان هناك حاجز آخر في طريقهم وطلبوا أوراقهم. سمحوا للسوريين بالمرور، لكن عندما أعطاهم والدي أوراقه احتجزوه هو أيضاً.
كان ذلك في عام 2012. جربنا كل الطرق لنعرف أين هو وما حدث له. في نفس الوقت، كنا نتعرض للمضايقات باستمرار لكوننا أتراك. أخبرونا أنه يجب على جميع الأجانب البقاء في منازلهم وعدم مغادرتها. كنا نمتلك مبنى كامل تعيش فيه عائلتنا. صدر إعلان فجائي بضرورة إخلائه وعدم السماح لأحد بدخوله لأن ملّاكه "إرهابيون".
عرفت حينها أن وقت مغادرتي أنا وإخوتي قد حان. كان عمري 16 عاماً في ذلك الوقت. لم يعد أحد يريد التحدث إلينا أو مساعدتنا. تعرضنا للمضايقة والاستهداف في كل مكان، ولم نتمكن حتى من الذهاب إلى السوبر ماركت. بعد فترة وجيزة من مغادرتنا سمعنا أن النظام جاء لاعتقالي عدة مرات، حتى أنهم طلبوا أخي الذي كان يبلغ من العمر 12 عاماً فقط. بقيت والدتنا في سوريا لتبحث عن أبي. حاول بعض الأشخاص مساعدتها مقابل المال لكن كل المعلومات التي أخبرونا بها كانت خاطئة. في عام 2015 غادرت هي أيضاً مع باقي أفراد عائلتنا.
على مدى ثماني سنوات لم نحصل على أي معلومات موثوقة عن والدي. وكلنا محام لمساعدتنا في عام 2020، وأخبرنا أن والدي توفي بعد أربعة أيام من اعتقاله. أظهر لنا المحامي صورة لجثمانه بين صور قيصر وتأكدت أنه هو فعلاً. أعتقد أنه مات بعد أيام قليلة فقط من توقيفه لأنه بدا مشابهاً لحين رأيناه آخر مرة.
عندما سمعنا الخبر أصابتنا الصدمة، فقد سمعنا سابقاً من بعض المصادر أنه على قيد الحياة وبصحة جيدة. لم نفكر أبداً أنه سيصلنا خبر وفاته. ثماني سنوات وكل ما فعلناه هو انتظار عودته إلينا.
بمجرد أن رأيت الصور وتأكدت من أنه هو، قررت رفع دعوى قضائية في المحاكم التركية ضد النظام السوري، ضد قتلة والدي. أحتاج أن تتم محاسبتهم. أطالب بحقي في معرفة مكان جثمانه كي أتمكن من أخذه ودفنه في تركيا. الطريقة التي يدفن بها من ماتوا في المعتقل مروّعة، فهم يضعون كل من مات في ذلك اليوم في حفرة ضخمة، مقبرة جماعية. أريد لأبي أن يكون في مكان يليق به، أريد أن أتمكن من زيارته مثل أي شخص آخر يزور قبر أبيه.
أفعل كل ما في وسعي لكن قضيتي لم تحظ بأي اهتمام على الإطلاق. دفنت مع العديد من القضايا الأخرى. لكن عليّ متابعة النضال. هناك الكثير من الأفراد الخائفين أو الذي تم إسكاتهم لذلك أنا بحاجة أن أناضل من أجلهم ومن أجل والدي وأي شخص آخر تم اعتقاله أو فقد شخصًا يحبه. سنصل إلى مبتغانا مهما طال الوقت. في النهاية لا بد أن نصل.